تُعد الصحة العامة من أهم مقومات استقرار المجتمعات وتقدمها، فهي حجر الأساس في تحقيق التنمية المستدامة وضمان حياة كريمة للفرد. في العراق، تقف منظومة الصحة أمام تحديات كبيرة، تراكمت بفعل الحروب، والأزمات الاقتصادية، وضعف السياسات الصحية لعقود، مما أفرز واقعًا صحيًا يحتاج إلى مراجعة شاملة وإصلاح جذري.
وفقًا للتقرير الإحصائي السنوي الصادر عن وزارة الصحة العراقية لعام 2023، بلغ عدد المستشفيات في البلاد 286 مستشفى، و1,256 مركزاً صحياً، مع تفاوت كبير في توزيع الخدمات بين المحافظات، ونقص واضح في الطواقم الطبية المتخصصة، وخاصة في الأقضية والنواحي البعيدة عن مراكز المدن.
وتُظهر الإحصائيات أن العراق مازال يعاني من معدلات عالية لوفيات الأطفال دون سن الخامسة، ووفيات الأمهات. ورغم انخفاض هذه المعدلات مقارنة بالعقود الماضية، إلا أنها ما زالت مرتفعة وتؤشر إلى حاجة ملحة لتحسين برامج الأمومة والطفولة، ورفع كفاءة الخدمات المقدمة في مراكز الرعاية الأولية.
ومن أبرز التحديات المتزايدة في العراق هو الارتفاع في نسب الإصابة بالأمراض المزمنة، وعلى رأسها السـرطان. ووفقًا للسجل الوطني للسرطان لعام 2023، بلغ عدد الإصابات المسجلة أكثر من 31,500 حالة جديدة في عام 2023م.
ورغم هذا الواقع المعقد، إلا أن هناك بوادر أمل، مثل زيادة عدد الخريجين من ذوي المهن الطبية والصحية، ودعم الدولة لمصانع الأدوية المحلية، وزيادة عدد المستشفيات الحكومية والأهلية الحديثة.
وتبقى محاولة وزارة الصحة لإدارة المستشفيات الحديثة بواسطة شركات أجنبية، تجربة جديدة تحتاج إلى تقييم ودراسة معمقة، رغم عدم ظهور دلائل على نجاح هذه التجربة لحد الآن.
إن الجمعية العراقية للبحوث والدراسات الطبية قدمت عدة رؤى ومقترحات لتطوير الواقع الصحي، بما ينسجم مع الواقع الفعلي وحاجة المواطنين وقدرات البلد، واستندنا في ذلك على البيانات الدقيقة واستشارة الخبراء، لتحقيق تطور ملموس وسريع بأقل كلفة، من خلال الاستثمار الأمثل للموارد المتاحة.
ومن خلال منبر مجلة سلامتك، نوجه دعوتنا للجهات المعنية لوضع خطة وطنية صحية شاملة، تقوم على تعزيز البنية التحتية الصحية، ودعم الوقاية والتوعية، وضمان العدالة في توزيع الخدمات الصحية، والاستثمار الأمثل للموارد المتاحة. فالصحة حق أساسي وليست رفاهية، وهي مسؤولية جماعية لا تقبل التأجيل.
المقال الافتتاحي للعدد (24) من مجلة سلامتك التي يترأس تحريرها الدكتور ضرغام الأجودي وتصدر عن الجمعية العراقية للبحوث والدراسات الطبية.