كيف نقضي على أمراض الدم الوراثية؟

الصحة والعافية هي الثروة الحقيقية التي يجب على الإنسان السعي للحفاظ عليها، فصحتنا هي الهدف والغاية الأسمى التي تستحق منا الرعاية والعناية.

صحة الفرد جزء لا يتجزأ من صحة الأسرة ومن صحة المجتمع، فالأسرة التي يعاني أحد أو بعض أفرادها من أمراض مزمنة يتسلل إليها الخوف والقلق والتحسب وتتغير أولوياتها وأسلوبها في الحياة.

من التحديات الصامتة التي تُهدّد المجتمع والأسر تبرز أمراض الدم الوراثية كأحد أخطر الأعداء الذين يتسلّلون إلى الأسر دون إنذار، ليحوّلوا الفرح بالمولود الجديد إلى معاناةٍ يوميةٍ لا تنتهي.

إنّ أمراض الدم الوراثية، مثل فقر الدم البحري (الثلاسيميا) وفقر الدم المنجلي والهيموفيليا وغيرها، ليست مجرد حالات طبية فقط؛ إنها قصص ألم ومعاناة لأطفالٍ يتألّمون بصمت، وأسرٍ ينهكها القلق والإنفاق والرعاية الدائمة. هي قصة ندم للأبوين على عدم إجراء الفحص قبل الزواج، تلك الخطوة البسيطة التي كان يمكن أن تُنقذ حياة أبنائهم.

ذلك الفحص البسيط، الذي لا يستغرق سوى دقائق، هو في الحقيقة درعُ وقايةٍ للأجيال القادمة، ورسالةُ وعيٍ ومسؤوليةٍ يجب أن يحملها كلّ شابٍّ وفتاةٍ نحو غدٍ أنقى وأجمل.

أحدث الإحصاءات بينت أن واحد من كل خمسين شخص مقبل على الزواج من الشباب والشابات في العراق يحمل مورثات فقر الدم البحري، وواحد من كل مئتين يحمل مورثات فقر الدم المنجلي، وواحد من كل عشـرة آلاف يحمل مرض الإيدز، لذلك الحرص على إجراء فحص ما قبل الزواج امر ضروري جداً للشاب والشابة في حماية نفسه أولاً من الأمراض المعدية وحماية أبناءه من الأمراض الوراثية.

لقد أثبتت التجارب في العديد من الدول أنّ الفحص قبل الزواج قلّل بشكلٍ ملموس من معدلات ولادة الأطفال المصابين بأمراض الدم الوراثية، وأنّ الوعي المجتمعي بهذا الموضوع هو الخطوة الأولى نحو مجتمعٍ سليمٍ ومعافى.

تأتي أهمية أن يتحوّل هذا الفحص من إجراءٍ إداري إلى ثقافةٍ راسخةٍ في الوجدان، تُعلَّم في المدارس وتُناقَش في البيوت وتُدعَم في الإعلام، ليصبح جزءاً من المسؤولية الأخلاقية والوطنية لكلّ مواطن.

إننا في مجلة “سلامتك” نضع هذا الملف بين أيدي قرّائنا الأعزّاء لا لنثير القلق، بل لنزرع الوعي. نؤمن أن الكلمة الصادقة قادرة على إنقاذ حياة، وأنّ المعلومة الصحيّة يمكن أن تكون أجمل هديةٍ تُقدَّم للأسرة الجديدة.

فلتكن البداية من هنا… الفحص قبل الزواج… مسؤولية حياة، وليس مجرّد إجراء روتيني.